ما عادَ يَكفِينا الغَضَـــبْ
مَنْ قالَ إنّ العارَ يَمحُوهُ الغَضَــبْ * ** وأمامُنا عَرضُ الصّبايا... يُغتَصـبْ
صُوَرُ الصّبايا العارِياتُ تَفجّــرتْ **** بينَ العُيونِ، نَزيفُ دمٍّ مِنْ لَــهَبْ
عارٌ على التّاريخِ كيفَ تَخُونُـــهُ * *** هِمَمُ الرِجالِ ويُستَباحُ لِمَنْ سَـلبْ
عارٌ على الأوطانِ كيفَ يَسُودُهــا **** خِزيُ الرِجالِ وبَطشُ جَلادٍ كـذبْ
الخَيلُ ماتَتْ..والذِئابُ توحَّشــتْ **** تِيجانُنَا عارٌ..وسَيفٌ مِنْ خَشــبْ
العارُ.. أنْ يَقعَ الرِجالُ فَرِيســـةً **** لِلعَجزِ مَنْ خانَ الشُعوبَ ومَنْ نَهبْ
لا تَسألوا الأيامَ عَن ماضٍ ذَهــبْ **** فالأَمسُ وَلّى والبَقاءُ لِمَنْ غَلَــبْ
ما عَادَ يُجـدِي أنْ نَقُولَ.. بِأننــا **** أَهلُ المُروءَةِ.. والشَّهامةِ.. والحَسَبْ
ما عَادَ يُجـدِي أنْ نَقُولَ.. بِأننــا **** خَيرُ الوَرى دِيناً... وأنقَاهُم نَسَـبْ
ولِتَنظروا ماذا يُرادُ لأرضِنــــا **** صَارتْ كغَانِيَةٍ... تُضاجِعُ مَنْ رَغبْ
حتى رُعاعُ الأرضِ فَوقَ تُرابِنـــا **** والكُلُّ فِي صَمتٍ تَواطأ.. أو شَجَبْ
الناسُ تَسألُ: أينَ كُهَّــانُ العَربْ **** ماتُوا.. تلاشَوا. لا نَرى غَيرَ العَجَبْ
ولِتَركَعوا خِزياً أمامَ نِسائِكُـــم **** لا تَسألوا الأطفالَ عَنْ نَسبٍ.. وأبْ
لاتَعجَبُوا! إِنْ صَاحَ فِي أرحامِكُـمْ **** يَوماً مِنَ الأيامِ ذِئبٌ مُغتصـــبْ
عَرضُ الصَبايا، والذِئابُ تُحِيــطُه **** فَصلُ الخِتامِ لأُمةٍ تُدعى.. "العـربْ"
عربٌ وهَل في الأرضِ ناسٌ كالعَربْ **** بَطشٌ. وطُغيانٌ.. ووَجهُ أبي لَهـبْ
هذا هُو التاريخُ... شَعبٌ جَائــعٌ **** وفَحيحُ عاهِرةٍ.. وقَصرٌ مِنْ ذهـبْ
هذا هُو التاريـخُ..... جَلاّدٌ أتـى **** يتسلّمٌ المِفتاحَ.. مِنْ وَغـدٍ ذَهـبْ
هذا هُو التاريخُ... لِـصٌ قاتِــلٌ **** يهِبُ الحَياةَ.. وقَد يضُنُّ بِما وهـبْ
ما بَينَ خِنـزِيرٍ يُضاجِعُ قُدسُنــا **** ومُغامرٌ... يَحصي غَنائِمَ ما سلـبْ
شَارون يَقتحِمُ الخليلَ ورأســـه **** يُلقي على بَغدادَ سيلاً مِنْ لَهــبْ
ويَطُلُّ هولاكو على أطلالِـهــا **** يَنعى المَساجِدَ.. والمآذن... والكُتبْ
كَبُرَ الـمَزادُ.. وفي المزادِ قوافـلٌ **** للرقصِ حيناً... للبَغايا... للطّـربْ
يَنهارُ تاريخٌ.. وتسقُطُ أمــــةٌ **** وبِكُلِّ قافِلَةٍ عَميلٌ.. أو ذَنَـــبْ
سوقٌ كبيرٌ للشعوبِ.. وحولَــهُ **** يتفاخَرُ الكُهّـان.. مَنْ مِنهُمْ كَسَبْ
جَاءوا إلى بغدادَ.. قالوا... أجْدَبَتْ **** أشجارُها شاخَتْ، وماتَ بِها العِنبْ
قدْ زيَّفوا تاجـاً رخِيصاً.. مبهـراً **** "حُرّيَةُ الإنسَانِ".. أغلى ما أُحـبْ
خَرجَتْ ثعابينٌ، وفاحَتْ جيفــةٌ **** عهرٌ قديمٌ.. فِي الحَضارةِ يُحتَجـبْ
وأفَاقت الدُنيا على وَجهِ الــردى **** ونِهايةُ الحلمِ المُضيء المُرتَقَـــبْ
صَلبوا الحضَارةَ فوقَ نَعشِ شُذوذِهِم **** يا ليتَ شيئاً غيرَ هذا.. قَد صُلِـبْ
هِي خِدعةٌ سَقَطتْْ وفي أشلائِــها **** سَرقَتْ سِنينَ العُمرِ زَهواً أو صَخَبْ
حُريةُ الإنسانِ غَايـةُ حُلمِنـــا **** لاتَطلبُوها مِنْ سَفِيهٍ مُغتَصِـــبْ
هِي تاجُ هذا الكَونِ حِينَ يَزُفُــها **** دم الشُعُوبِ لِمَنْ أحبَّ..ومَنْ طلبْ
شَمسُ الحضارةِ أعلَنتْ عِصيانَـها **** وضَميرُها المَهزومُ فِي صَمتٍ، غَرَبْ
بَغدادُ تَسألُ... والذِئابُ تُحِيـطُها **** مِنْ كُلِّ فَجٍّ.. أينَ كُهّانُ العَــربْ
وهُناكَ طِفلٌ فِي ثَراها ساجِـــدٌ **** مازال يَسألُ كَيفَ ماتَ بِلا سَـببْ
كُهّانُنا نامُوا عَلى أوهامِهِــــم **** ليلٌ وخَمرٌ فِي مَضاجِعَ مِنْ ذهـبْ
بَينَ القُصورِ يَفوحُ عِطـرٌ فــادحٌ **** وعلى الأرائِكِ ألفُ سيفٍ مِنْ حطبْ
وعلى المدى تَقِفُ الشُعوبُ كأنهـا **** وَهمٌ مِنَ الأوهامِ.. أو عهدٌ كـذبْ
فَوقَ الفُرات يطُلُّ فَجرٌ قـــادمٌ **** وأمامَ دِجلةَ طَيفُ حِلمٍ... يقتَـرِبْ
وعلى المشارِفِ سَربُ نَخلٍ صامدٌ **** يَروي حِكايةَ مَنْ (تأمْرَكَ), أو هربْ
هذي البِلادُ بِلادُنا مَهما نَــأتْ **** وتَغرّبتْ فِينا دِماءٌ.. أو نَسَـــبْ
يا كُلّ عُصفورٍ تَغرّبَ كارهــاً **** سَتَعودُ بِالأملِ البعيدِ المُغتـــربْ
هذي الذِئابُ... تَبُولُ فَوقَ تُرابِنا **** ونَخيلُنا المَقهورُ في حُزنٍ صُلــبْ
مُوتوا فِداءَ الأرضِ إنّ نخيلهــا **** فَوقَ الشواطئ كالأرامِلِ يَنتحِـبْ
ولِتجعَلوا سَعفَ النّخِيلِ قَنابـلاً **** وثِمارُها الثَكلى عَناقِـيـدَ اللهبْ
فَغداً سَيهدأ كُلُّ شَيءٍ بَعدَمــا **** يَروي لَنا التَاريخُ قِصّةَ.. مَا كَتـبْ
وعلى المدى يَبدو شُعاعٌ خافـتٌ **** يَنسابُ عِندَ الفَجرِ يَختَرقُ السُحبْ
ويَظلُّ يَعلو فَوقَ كُلِّ سَحابــةٍ **** وَجهُ الشَهيدِ يَطلُّ مِنْ خَلفِ الشُهبْ
ويَصِيحُ فِينا: كُلُّ أرضٍ حــرةٌ **** يَأبى ثَراها أنْ يَلِينَ... لِمُغتَصــبْ
ما عَادَ يَكفِي... أنْ تَثورَ شُعوبنا **** غَضباً،فَلَن يجدِي مَع العَجزِ الغَضبْ
لَن تُرجِعَ الأيامُ تاريخاً ذهــبْ **** ومِنَ الَمهانةِ أنْ نُقاتِلَ بِالخُطــبْ
هذي خَنادِقُنا.. وتِلكَ خُيولنـا **** عُودوا إليها فَالأمانُ لِمنْ غلــبْ
ما عادَ يَكفِينا الغَضَـــبْ
ما عادَ يَكفِينا الغَضَـــبْ
ما عادَ يَكفِينا الغَضَـــبْ